فصل: (فرع: أذان المحدث والجنب)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[مسألة:حكم الأذان والإقامة]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولا أحب لأحد أن يصلي في جماعة، ولا وحده، إلا بأذان وإقامة، فإن لم يفعل.. أجزأه).
وجملة ذلك: أن الأذان والإقامة سنتان مؤكدتان، فإن تركهما.. كان تاركًا لسنة، وصلاته صحيحة. وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه.
وقال أبو سعيد الإصطخري: الأذان فرض من فرائض الكفايات، فإذا كان الرجل.. سقط بذلك الفرض عمن يبلغه الصوت وينتشر إليه، ولا يسقط ذلك عمن لم يظهر ذلك فيه.
فإن كانت قرية صغيرة، أو رفقة في سفر، فأذن واحد منهم.. سقط الفرض عن جميعهم.
وإن كان بلد كبير.. فلا بد أن يؤذن في كل ناحية؛ لينتشر الأذان في جميعهم.
فعلى هذا: إن أجمع أهل بلد على تركه.. قوتلوا. وهذا قول أحمد.
وقال ابن خيران: هو سنة في الصلوات، إلا في صلاة الجمعة، فإنه من فرائض الكفايات فيها؛ لأنها لما اختصت بوجوب الجماعة فيها.. اختصت بوجوب الدعاء إليها.
وقال الأوزاعي: (الأذان ليس بواجب. والإقامة واجبة، فإن تركها، فإن كان الوقت باقيًا.. أعاد الصلاة، وإن خرج الوقت.. لم يعدها).
وقال أهل الظاهر: (الأذان والإقامة واجبان لكل صلاة).
فمنهم من قال: هما شرط في صحة الصلاة. ومنهم من قال: ليسا بشرط.
وقال مالك: (هو واجب في مساجد الجماعات).
دليلنا: ما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للمسيء صلاته: «إذا أدركت الصلاة.. فأحسن الوضوء، ثم استقبل القبلة، وكبر». ولم يأمره بالأذان والإقامة.
فإذا قلنا: إنه سنة، فاتفق أهل بلد على تركه.. فهل يقاتلون على تركه؟
فيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق \ 59]:
أحدهما: أنهم يقاتلون؛ لأنه من شعائر الإسلام، فلا يجوز تعطيله.
والثاني: لا يقاتلون؛ لأنه سنة، فلا يقاتلون عليه، كسائر السنن.
إذا ثبت هذا: فقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الأم" [1/72] (فلا أحب ترك الأذان والإقامة في سفر، ولا حضر، ولا منفرد، ولا في جماعة، وأنا له في المساجد العظام أشد استحبابًا، وهو في السفر أخف حالاً منه في الحضر).
وقال في القديم: (وأما الرجل يصلي وحده في المصر.. فأذان المؤذنين وإقامتهم كافية له).
قال ابن الصباغ: وظاهر هذا: قولان.

.[فرع: فيما لا يشرع له الأذان والإقامة]

والأذان والإقامة مشروعان للصلوات الخمس، فأما صلاة الجنازة، والعيدين، والخسوف، والاستسقاء، والتراويح.. فليس ذلك بسنة فيها.
وحكي عن معاوية، وعمر بن عبد العزيز: (أنهما أمرا بالأذان لصلاة العيد).
دليلنا: ما روى جابر بن سمرة قال: «صليت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم عيد.. فلم يؤذن، ولم يقم».
إلا أن السنة في صلاة العيد، والخسوف والاستسقاء، والتراويح، أن يقال لها: الصلاة جامعة.
فأما صلاة الجنازة: فليس ذلك سنة فيها؛ لأنها ليست من النوافل، فليس لها: الصلاة جامعة. ولا من فرائض الأعيان، فيسن لها الأذان.

.[فرع: الأذان والإقامة للفوائت]

وإن كان عليه فوائت، فأراد قضاءها في وقت واحد.. فلا خلاف على المذهب: أنه يسن له أن يقيم لكل صلاة منهن. ولا خلاف على المذهب: أنه لا يسن له أن يؤذن لغير الأولى. وهل يسن له أن يؤذن للأولى؟ فيه ثلاثة أقوال:
الأول: قال في الجديد: (لا يسن له أن يؤذن لها). وبه قال مالك، والأوزاعي، وإسحاق؛ لما روى أبو سعيد الخدري، قال: «حبسنا يوم الخندق عن الصلاة، حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل.. فدعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلالا، فأمره، فأقام صلاة الظهر فصلاها، ثم أقام العصر فصلاها، ثم أقام المغرب فصلاها، ثم أقام العشاء فصلاها».
والثاني: قال في القديم: (يؤذن لها). وبه قال أحمد، وأبو ثور، واختاره ابن المنذر؛ لما روى عمران بن الحصين قال: «سرنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة، أو قال: في سرية، فلما كان من آخر الليل.. عرسنا، فما أيقظنا إلا حر الشمس، فأمرنا فارتحلنا، ثم سرنا، حتى ارتفعت الشمس، ثم نزلنا، فقضى القوم حوائجهم، ثم أمر بلالاً فأذن، فصلينا ركعتين، ثم أمر بلالا فأقام، ثم صلى الغداة».
وروى ابن مسعود: «أن المشركين شغلوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أربع صلوات، حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالا فأذن، وأقام للظهر، ثم أقام للتي بعدها».
والثالث قال في " الإملاء ": (إن رجا اجتماع الناس.. أذن، وإن لم يرج اجتماعهم.. لم يؤذن)؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يؤذن للعصر بعرفات، ولا للعشاء بمزدلفة»؛ لاجتماع الناس هنالك.
قال أبو إسحاق: ولا فرق على هذا القول بين الفائتة، والحاضرة في وقتها، إذا صلى في موضع يرجو اجتماع الناس لها.. أذن وأقام، وإن لم يرج اجتماعًا.. أقام،
ولم يؤذن. فكان عنده: هل يسن الأذان للصلاة الحاضرة، إذا لم يرج اجتماع الناس لها؟ قولان.
قال ابن الصباغ: ولعل هذا لا يصح عنه.
وقال أبو حنيفة: (إذا فاتته صلوات.. أذن وأقام لكل واحد منهن).
دليلنا: ما ذكرناه من حديث أبي سعيد، وابن مسعود، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يأمر بالأذان لغير الأولى.

.[فرع: الأذان والإقامة لمريد الجمع]

وإن جمع بين الصلاتين في السفر، أو في المطر، فإن جمع بينهما في وقت الأولى منهما.. أذن وأقام للأولى؛ لأنها مؤداة في وقتها، ويقيم للثانية من غير أذان؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل ذلك بعرفة.
وإن جمع بينهما في وقت الثانية.. فإنه يقيم لكل واحدة منهما.
وهل يسن له الأذان للأولى؟ على الأقوال الثلاثة.
وأما الثانية: فلا يسن لها الأذان، قولاً واحدًا.
وقال أبو حنيفة: (لا يؤذن، ولا يقيم للعشاء بمزدلفة).
دليلنا: ما روى جابر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان واحد، وإقامتين». ولأن الأولى قد فات وقتها.
وأما الثانية: وإن كان يصليها في وقتها، إلا أنها تابعة للأولى، بدليل: أنه يستحب له أن يقدم الأولى قبل الثانية.

.[مسألة:الأذان قبل الوقت]

ولا يجوز الأذان لغير الصبح قبل دخول وقتها؛ لأنه يراد للإعلام بدخول الوقت، فلا معنى له قبل دخول وقت الصلاة.
وأما الصبح: فيجوز أن يؤذن لها قبل دخول وقتها. وبه قال مالك، والأوزاعي، وأبو يوسف، وأهل الشام.
وقال أبو حنيفة، والثوري: (لا يجوز الأذان لها قبل دخول وقتها).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن بلالا يؤذن بليل.. فكلوا واشربوا، حتى يؤذن ابن أم مكتوم».
فإن كان للمسجد مؤذنان.. فالمستحب: أن يؤذن أحدهما قبل طلوع الفجر، والثاني بعد طلوعه؛ لأن بلالا كان يؤذن قبل طلوع الفجر، وابن أم مكتوم كان يؤذن بعد طلوعه.
وذكر بعض أصحابنا: إن كان في بلد قد جرت عادتهم بالأذان لها بعد طلوع الفجر.. لم يسع أحدًا أن يؤذن لها في ذلك البلد قبل طلوع الفجر؛ لئلا يغرهم بأذانه.
وفي أول وقت أذان الصبح خمسة أوجه:
أحدها - وهو المشهور - أنه بعد نصف الليل، كالدفع من المزدلفة.
والثاني: إن كان في الشتاء.. فلسبع يبقى من الليل، وإن كان في الصيف.. فلنصف سبع يبقى من الليل. قال الجويني: وذلك سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
والثالث - ذكره المسعودي [في "الإبانة" ق \ 60]-: قبيل الصبح لوقت السحر.
والرابع - حكاه في "العدة" -: أن الليل كله وقت لأذان الصبح.
وهذا ضعيف جدًا.
والخامس - ذكره في "الفروع" -: أن ذلك يبنى على آخر وقت العشاء المختار:
فإن قلنا: إنه إلى ثلث الليل.. أذن للصبح، إذا ذهب ثلث الليل.
وإن قلنا: إنه إلى نصف الليل.. أذن، إذا ذهب نصف الليل.
وأما الإقامة: فإنه لا يعتد بها قبل دخول الوقت؛ لأنها تراد لاستفتاح الصلاة، ولا يجوز استفتاحها قبل دخول الوقت.

.[مسألة:كلمات الأذان]

والأذان تسع عشرة كلمة في غير الصبح، وهو: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله - يخفض صوته بهؤلاء الأربع الكلمات من الشهادة - ثم يرجع فيمد صوته، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.
وقال مالك: (الأذان سبع عشرة كلمة). وأسقط من التكبير في أول الأذان تكبيرتين.
وقال أبو حنيفة: (الأذان خمس عشرة كلمة). فأسقط (الترجيع): وهو الأربع الكلمات، التي يخفض بها صوته.
وقال أبو يوسف: الأذان ثلاث عشرة كلمة. فأسقط تكبيرتين في أول الأذان، كمالك، وأسقط الترجيع.
دليلنا: ما روى أبو داود، «عن أبي محذورة قال: قلت: يا رسول الله، علمني سنة الأذان، قال: فمسح مقدم رأسي، وقال: قل: الله أكبر، الله أكبر» وذكر ما قلناه.
فإن ترك الترجيع في أذانه.. فهل يحتسب بأذانه؟
فيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق \ 58]:
أحدهما: يحتسب به، كما لو ترك التثويب.
والثاني: لا يحتسب له، كما لو ترك التكبير.
فإن كان في أذان الصبح.. زاد التثويب بعد الفلاح، وهو أن يقول: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم. نص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ذلك في القديم، وعلقه في الجديد على صحة حديث أبي محذورة فيه.
قال الشيخ أبو حامد: يسن ذلك، قولاً واحدًا؛ لأن الحديث قد صح فيه.
وبه قال مالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وأما أبو حنيفة: فحكى عنه الطحاوي في التثويب، مثل قولنا. وحكى عنه محمد بن شجاع الثلجي التثويب الأول في نفس الأذان، والثاني بين الأذان والإقامة.
وقال محمد بن الحسن: كان التثويب الأول بين الأذان والإقامة: الصلاة خير من النوم - مرتين - ثم أحدث الناس بالكوفة: حي على الصلاة، حي على الفلاح، وهو حسن.
واختلف أصحابه فيه:
فمنهم من اختار ما ذكره محمد بن شجاع.
ومنهم من اختار ما ذكره الطحاوي.
وروى الحسن بن زياد: أنه ينتظر بعد الأذان بقدر عشرين آية، ثم يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، مرتين.
ومنهم من لم يقدره.
وقال النخعي: يستحب التثويب لكل صلاة.
وقال الحسن: يثوب للعشاء وللصبح مرتين.
دليلنا: ما روى أبو محذورة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: «حي على الفلاح، وإن كان في صلاة الصبح.. قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم».
وروي: «أن بلالا جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلمه بالصلاة، فقيل له: إنه نائم، فقال: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، فقال له: اجعلها في تأذينك».
والدليل على أنه لا يثوب في غير الصبح: ما روى سويد بن غفلة، «عن بلال قال: أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أثوب في أذان الصبح، ولا أثوب في غيرها».
إذا ثبت هذا: فـ (التثويب) في اللغة هو: الرجوع إلى الشيء بعد الخروج منه، قال الله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} [البقرة: 125]. أي: يرجعون إليه.
وأنشدوا:
وكل حي وإن طالت سلامته ** يومًا له من دواعي الموت تثويب.

وإنما سمي هذا تثويبًا؛ لأنه يرجع إلى ذكر الصلاة بعد الفلاح.
والسنة: أن يقف المؤذن على أواخر الكلمات في الأذان؛ لأنه روي موقوفًا.
وقال أبو عبيد الهروي: وعوام الناس يضمون الراء من قوله: الله أكبر، وكان أبو العباس المبرد يفتح الراء، ويقول: الله أكبر الله أكبر، فيفتحها في الكلمة الأولى، ويقف في الثانية، واحتج بأن الأذان سمع موقوفًا، غير معرب في مقاطعه، كقولهم: حي على الصلاة، حي على الفلاح، وكان الأصل أن يقول: الله أكبر الله أكبر، بتسكين الراء، فحولت فتحة الألف من اسم الله تعالى في اللفظة الثانية على الراء قبلها.

.[فرع: عدد كلمات الإقامة]

وأما الإقامة: فإنها إحدى عشر كلمة في القول الجديد: التكبير مرتان، والشهادة مرتان، والدعاء إلى الصلاة مرة، والدعاء إلى الفلاح مرة، ولفظ الإقامة مرتان، والتكبير مرتان، والتهليل مرة. وبهذا قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وقال في القديم: (لفظ الإقامة مرة). وبه قال مالك، وداود.
وقال أبو حنيفة: (والإقامة مثل الأذان، ويزيد لفظ الإقامة مرتين).
والإقامة عنده: سبع عشرة كلمة أكثر من الأذان الأول.
دليلنا: ما روى البخاري، عن أنس قال: «أمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة».

.[مسألة:أذان الكافر وغير المكلف]

ولا يصح أذان الكافر؛ لأنه ليس من أهل العبادة.
فإن أذن.. فهل يكون إسلامًا منه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يكون إسلامًا؛ لجواز أن يأتي بذلك على سبيل الحكاية، وقد كان أبو محذورة، وأبو سامعة مؤذنين قبل إسلامهما، على سبيل الحكاية.
والثاني: يحكم بإسلامه، وهو الصحيح؛ لأن هذا صريح في الإسلام، فهو كما لو أتى بالشهادتين باستدعاء غيره منه.
ولا يصح الأذان من المجنون؛ لأنه ليس من أهل العبادة.
قال الجويني: وإن نظم الشارب كلمات الأذان.. فليس بسكران.
ويصح أذان الصبي إذا كان مميزًا.
وقال داود: (لا يعتد به).
دليلنا: ما روي عن عبد الله بن أبي بكر: أنه قال: (كان عمومتي أمروني أن أؤذن لهم، وأنا غلام لم أحتلم، وأنس بن مالك شاهد لم ينكره).
ولأنه من أهل العبادة، بدليل: أن إمامته صحيحة، فكذلك أذانه.

.[فرع: أذان المرأة والخنثى]

قال الشافعي في "الأم" [1/73] (وليس على المرأة أذان، وأحب لها أن تقيم فإن أذنت.. فلا بأس).
قال قال الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ، وأكثر أصحابنا: الأذان غير مسنون للمرأة، سواء صلت بانفرادها، أو كن جماعة نساء، فصلين جماعة.
فإن أذنت.. كان ذكرًا؛ لما روي عن ابن عباس: أنه قال: (ليس على المرأة أذان، فإن أذنت.. كان ذكرًا).
وذكر الشيخ أبو إسحاق: أنه يكره للمرأة أن تؤذن، ويستحب لها أن تقيم.
ولعله أراد بذلك: رفع الصوت؛ لأنه يخاف الافتتان بصوتها. فأما الأذان من غير رفع الصوت.. فلا يكره؛ لأنه ذكر الله تعالى.
فإن أذنت للرجال.. لم يعتد بأذانها لهم، كما لا تصح إمامتها لهم.
قال القاضي في " كتاب الخناثى ": والخنثى كالمرأة.
لا يستحب له أن يؤذن، ويستحب له أن يقيم. فإن أذن.. لم يعتد بأذانه، كالمرأة.

.[مسألة:صفات المؤذن]

والمستحب: أن يكون المؤذن حرًا بالغًا عدلاً؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يؤذن لكم خياركم» والعبد، والصبي، والفاسق ليسوا من الخيار. ولأنه أمين على المواقيت، وقد يؤذن في موضع عال.
فإذا لم يكن عدلا.. لم يؤمن أن يؤذن في غير الوقت، ولم يؤمن أن ينظر إلى حرم الناس.
وينبغي أن يكون عارفًا بالمواقيت؛ لئلا يغر الناس بأذانه.
ويستحب أن يكون المؤذن من أولاد من جعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأذان فيهم، مثل: أولاد أبي محذورة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل إليه الأذان بمكة. أو أولاد بلال؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل الأذان إليه في المدينة. أو أولاد سعد القرظ؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جعل إليه الأذان بعد بلال. فإن انقرضوا، أو لم يكونوا عدولاً.. ففي أولاد الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فإن لم يوجدوا.. جعله الإمام إلى من يراه من خيار المسلمين.
فإن تنازع جماعة فيه مع تساويهم.. أقرع بينهم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لا يجدون، إلا أن يستهموا عليه.. لاستهموا».
وروي: أن الناس تشاجروا يوم القادسية في الأذان، فاختصموا إلى سعد بن أبي وقاص.. فأقرع بينهم.
وروي: (أنه اختصم إلى عمر جماعة في الأذان.. فقضى لكل واحد بأذان صلاة).

.[فرع: حسن صوت المؤذن وأذان الأعمى]

ويستحب أن يكون المؤذن صبيًا؛ «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر عبد الله بن زيد أن يعلم بلالا الأذان، وقال: إنه أندى منك صوتًا»، و (اختار أبا محذورة لعلو صوته).
ويستحب أن يكون مع علو صوته حسن الصوت؛ لأنه ذكر لله تعالى ولرسوله.
فإذا كان صوته حسنًا.. رقت قلوب الناس، ورغبوا في استماعه.
ويكره أن يكون المؤذن أعمى؛ لأنه ربما غر الناس بأذانه. فإن كان معه بصير.. لم يكره؛ لأن ابن أم مكتوم كان أعمى، وكان يؤذن مع بلال.

.[فرع: أذان المحدث والجنب]

ويكره أن يؤذن وهو محدث؛ لما روى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يؤذن إلا متوضئ». ولأنه إذا لم يكن متوضئًا.. انصرف لأجل الطهارة، فإذا جاء غيره، لا يرى أحدًا.. فيظن أن ذلك ليس بأذان. فإن أذن وهو محدث.. صح؛ لأن المقصود يحصل به. وإن أذن وهو جنب، فإن كان خارج المسجد.. صح أذانه ولا يأثم، وإن كان في المسجد أو في رحبته.. أثم بلبثه فيه وصح أذانه.
وقال مجاهد، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق: (لا يعتد بأذان المحدث والجنب).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حق وسنة أن لا يؤذن الرجل إلا وهو طاهر». فأخبر أن ذلك سنة، وهذا ينفي أن يكون واجبًا.
فإن أحدث في أثناء الأذان.. فالمستحب: أن يمضي على أذانه، ولا يخرج منه للطهارة؛ لأنه إذا خرج للطهارة، وقطع الأذان.. ظن السامع أنه متلاعب.
فإن خرج للطهارة.. فالمستحب له: أن يستأنف الأذان؛ لما ذكرناه. وإن بنى على أذانه، فإن لم يطل الفصل.. جاز، وإن طال الفصل، ففيه طريقان، يأتي ذكرهما.